الخميس، 8 أغسطس 2013

فضيحة دانيال :المخزن يستعين ب " اللوبي المغربي" في أمريكا للدفاع عن صورة الملك في القنوات الأجنبية






فضيحة دانيال :المخزن يستعين ب " اللوبي المغربي" في أمريكا للدفاع عن صورة الملك في القنوات الأجنبية





 (مايكل كيرتلي)

يبدوا أن النظام مازال يجد له أيضا صحفيين أجانب يدفع لهم لتلميع صورته والدفاع عنه في القنوات الأجنبية من خلال لوبياته التي يصرف عليها الملايين ، النموذج الصحفي ومنتج الأفلام الأمريكي والناشط المدني (هذه صفات كلها يستعملها) ميشيل كيرتلي الذي ظهر في قناة فرانس 24 الانجليزية خلال برنامج خاص عن قضية البيدوفيل الاسباني "كالفان" وهو يدافع عن علاقة الحب التي تربط المغاربة بملكهم ومحاولته لنفي المسؤولية عن الملك في إصدار قرار العفو عن المجرم الاسباني، مايكل كيرتلي وهو ممثل للوبي الموالي للمغرب في أمريكا، و غالبا ما تستعين به وكالة المغرب العربي للأنباء التي تقدمه كخبير أمريكي في شؤون المنطقة ليقدم تصريحات تدافع عن النموذج المغربي وتطور الديمقراطية فيه أو ليتبنى الموقف المغربي الرسمي من نزاع الصحراء.

 وله علاقة قديمة بالمغرب ويقضي معظم وقته في المغرب ونظم العديد من الأنشطة والتظاهرات بتعاون مع الدولة المغربية وحسب ما يثبته بنفسه في سيرته الذاتية فإن له شبكة علاقات قوية مع محيط الملك محمد السادس، بتاريخ 24 من نونبر من سنة 2011 أي يوما فقط قبل الانتخابات التشريعية يقول " الانتخابات التشريعية التي ستجرى في المغرب تدخل في إطار تقاليد ديمقراطية عريقة ومتطورة باستمرار، والتي تعززت منذ وصول الملك محمد السادس إلى العرش، المغرب خرج من مرحلة تعلم الديمقراطية ودخل إلى مرحلة ممارستها على قاعدة المحاسبة"، في السياق ذاته قال أن المراقبين الدوليين جميعا لاحظوا منذ بداية توافدهم على المغرب مناخ الشفافية والمنافسة الحرة التي تدور فيها الحملات الانتخابية".

معلومات أخرى عن مايكل كيرتلي:

مايكل كيرتلي هو أيضا الرئيس المؤسس لجمعية "قافلة الصداقة" وهي  منظمة أمريكية غير حكومية هدفها تعزيز قنوات التواصل بين الثقافات المختلفة وتحديدا بين الغرب والبلدان المسلمة.

أسس مهرجان الصداقة بمراكش لموسيقى الروك.

ساهم في الترويج ومساعدة المغرب لاحتضان احتفال يوم الأرض في المغرب  سنة 2010 أول احتفال بهذه التظاهرة في العالم العربي وإفريقيا.


سبق له أن كان مدرسا بالمركز اللغوي الأمريكي في الفترة ما بين 1970 و1973.

رابط برنامج فرانس 24 الذي شارك فيه بمعية الصحفيتين المغربيتين عايدة العلمي وسونيا التراب :



هذه ترجمة لأبز تدخلات الصحفي الأمريكي خلال البرنامج الذي خصصته قناة فرانس 24 الانجليزية

" ما علينا أن نفهمه في البداية هو العلاقة القوية التي كانت دائما بين الملك والشعب المغربي، هناك إحساس في المغرب بأن الملك يحميهم ، خاصة الملك محمد السادس الذي كان دائما جزء من الشعب ، ويظهر أنه يحاول أن ينصت إلى الناس،  كما أنه فعل أشياء كثيرة لصالح الأطفال في المغرب"

"فيما يخص تحديد المسؤوليات ربما العديدون سيلومون الملك ، لكن إذا فكرنا بشكل منطقي في هذه المسألة، ففي قضية دانيال كالفان ، فقد كانت هناك محاكمة علنية حقيقية في سنة 2011 حضرتها وسائل الإعلام وحكم على المتهم بأقسى عقوبة ممكنة في المغرب ، إنه لمن  الغير الوارد أبدا أن الملك محمد السادس لو كان قد علم بأن اسم هذا الشخص موجود في اللائحة وبطبيعة من يكون فإنه سيطلق سراحه ،لأنه سيكون من المتوقع أن تكون ردة فعل كهاته، لذلك أنا أصدق أن الملك لم يكن يعلم لم يكن يعرف أن شخصا مماثلا يوجد في هذه اللائحة"

"هناك احتمالان،الأول وهو ربما كانت هناك مؤامرة من جهة ما لإحراج الملك، و الاحتمال الثاني هو أنه ربما خطأ غبي تسببت فيه الرغبة المفرطة والمبالغ فيها لمجاملة الاسبان، لكن أقول أنه من غير الوارد أن الملك قد عفا عن بيدوفيلي بعلمه"


"التظاهرات التي بدأت في 2011 لم تكن تنتقد الملك بل كانت تنتقد الوضع السياسي وأداء الحكومة بصفة عامة وأن هناك إحساسا للمغاربة بعد الانتخابات أن حكومتهم أصبحت أقوى ، كان هناك إصلاح للدستور أيضا "



إعداد: عماد استيتو

السبت، 3 أغسطس 2013

لنا "العار" في انتظار أن يصير لنا وطن


زميل صحفي يرسل لي الرسالة التالية " أشعر برغبة عارمة في البكاء" وآخر يقول لي " كل ما أريده في هذه اللحظة هو الهروب من هذا البلد" ، ما الذي تبقى لنا غير البكاء على البلد والتفكير في الهروب منه لأنه لم يعد يسع أحلامنا، تضيق بنا هذه الفسحة التي لا ترتقي لنسميها وطنا يحتضننا، أيها الرومنسيون اجمعوا أشعاركم التي تنظمونها عن وطن شهي وحر، أيها المتطلعون إلى مساحات واسعة نقترف فيها هواية الحلم انسوا كل شيء، كل ما تستطيعون أن تأملوه في هاته اللحظات من تاريخ بلدكم هو أن يتقبلكم كأبناء لهم، حتى هذا الطموح على صغره لا تعقدوا عليه آمالا كبيرة من فضلكم، لكم فقط أن تنتصروا للصمت عن كل ما لا يروق أعينكم الزائغة كثيرا،  ليس لكم والله سوى الصمت، لا تفكروا أبدا أن ترفعوا أصواتكم للإشارة إلى خطأ، إياكم أن تحتجوا على قرار رأيتموه غير عادل، إياكم أن تفكروا في ذلك حتى ، هذا خط أحمر، هذا الوطن يمنحكم فقط حق أن تقولوا نعم لكل شيء، إما أن تقبلوه أو تقبلوه، كأنهم يريدون منا أن نكفر بكل شيء ونرحل جميعا عن هذا البلد، فالأوجاع القاسية لهذا الوطن من الجنوب إلى الشمال لا تنتهي أبدا.
مساء الجمعة 2 غشت 2013 كان يوما للتاريخ، علينا أن نحفظ هذا التاريخ جيدا لأنه سيكون له ما بعده، لقد أعلن رسميا عن وفاة تلك الفكرة الجميلة عن دولة الحق والقانون، فلنقم لها تمثالا في ساحاتنا كفكرة حلم وحينما نصل إلى تحقيقها فلندمر التمثال، في مساء رمضاني أعلنت الدولة عن نفسها قبيحة من دون مساحيق تجميل هاته المرة، بكل بشاعتها تقدمت لتحاضر في حضرة جناب الشعب مقدمة دروسا فيما يعنيه حب الوطن، أن تخشى على الوطن وكرامة أبنائه المغتصبة وتخرج لتعبر عن رفضك للسماح لمجرم أجنبي بالإفلات من العقاب فهذا يعني أنك تستحق كل لعنات العالم وكل مصطلحات الشتيمة التي لا تسعها القواميس، أنت تستحق الضرب والركل والرفس والتعنيف، على دمائك أن تسيل لأنك تجرأت وخرجت لتقول لا في وجه من قال نعم، من خرجوا يوم الجمعة لم تحركهم أحزاب أو جمعيات معارضة للنظام، كما لم تحشدهم حملة موسمية تمولها الدولة كما اعتادت أن تفعل دائما للاستهلاك الفج .
 من خرجوا يوم الجمعة كانوا مواطنين عاديين حركتهم صدمتهم لسماع خبر العفو الملكي عن سجين اسباني اغتصب 11 طفلا مغربيا، خرجوا لينتصروا لإنسانيتهم، خرجوا ليقولوا أن ما حدث خطأ، وأن الخطأ خطأ حتى لو كان صادرا عمن يعصمه القانون والدستور المغربي عن الخطأ ويضعه فوق أية مساءلة، أي إنسان يملك عقلا وقلبا يمكنه أن يتقبل أن يوضع مجرم كدانيال خارج القضبان ؟ أي إنسان يمكنه أن يبرر فظاعة كهاته ؟ ، هؤلاء حملوا صرخاتهم الداخلية أمام برلمان يفترض أنه يمثل الشعب ليعبروا فقط عن هاته الفكرة البسيطة : لن نسمح بأن تهان كرامة الوطن، أن يغتصب أبناءنا وتتركوا المجرم يفلت ، لكن العقاب الذي واجهوه كان أشد من العقاب الذي واجهه المجرم الاسباني، يمكنهم العفو عن مغتصب أطفال لكنهم لا يستطيعون العفو عن آلاف خرجت لتقول لا، وتسأل بكل الحزن: كيف يعيش أبناءنا بأمان والوحوش التي تهدد براءتهم يصفح عنها وبتزكية من المؤسسة الحاكمة، ما الذي يمكننا أن نفهمه غير أن عصا الدولة كانت قاسية على مواطنين خرجوا يحتجون ضد تبرئة البيدوفيليا،  يالها من مهزلة ، ما الذي سيقوله العالم عنا وعن فضيحتنا ؟ ولأنهم ليسوا مثلنا لا يختلقون لقادتهم ومسؤوليهم ملايين الأعذار ليبرروا قرارات طائشة فإنهم حتما سيقولون التالي : ارتكب رئيس دولتهم خطأ جسيما بالتوقيع على عفو أجنبي مدان بتهمة اغتصاب أطفال قاصرين، وحينما خرج مواطنوهم للتظاهر للتعبير عن غضبهم قمعوا بعنف ومنعوا من التعبير عن رأيهم، سيسألون جهلا بما نحن به نعلم: هل قدم الملك اعتذارا؟ هل استقال وزير؟ وسيكونون أمام هول أجوبتنا، يا للعار يا للعار، أي شعور آخر غير الشعور بالعار في هذه اللحظة سيكون على صاحبه أن يراجع طبيبا يؤكد له سلامة عقله، أي عين لم تر كل هاته الطعنات الموجهة إلى صدر فكرة الوطن الحقيقية فمؤكد أنها تحتاج نظارات طبية، يوم الجمعة بدمائه وقساوته وبشاعته سيبقى يوما استطاع فيه حدث ما أن يجمع ويوحد المغاربة للاحتجاج ضده حينما شعروا أن شيئا ما يسلب ويسرق منهم، خرجوا دون أن تحشدهم البروبغندا الرسمية أو وسائل إعلام الدولة، حركهم فقط إحساسهم بالانتماء إلى ما تبقى من أمل في هذا البلد الذي لم يرتقي بعد إلى درجة وطن، 2 غشت كان انتصارا لوعي مغربي جديد نما وسط سنوات التجهيل وحجب الحقيقة، 2 غشت كان هزيمة معنوية للدولة، لأن التاريخ كما وجب التذكير سيكتب فقط أن الدولة أخرجت البوليس حماية للحق في الإفلات من العقاب، ولم تستطع حماية أطفال الشعب من البيدوفيليا، التاريخ لن يمحو هذا العار أبدا مهما حاولوا تزييف الحقيقة وصبغها .
التاريخ سيسجل أيضا السقوط الأخلاقي لأقلام صحفية ولمنتسبين للمجال الحقوقي صموا آذانهم وأغمضوا أعينهم، هؤلاء الذين صدعوا آذاننا بحبهم للوطن ويزايدون على البقية في حبهم له كلما أتتهم الفرصة أظهروا أنهم مجرد راكبي أمواج من الطراز الأول، فحينما حانت لحظة الانتصار للوطن بدأو بتمييع النقاش وتهريبه، في الحقيقة هذا كل ما يجيدونه، كل ما فعله هؤلاء هو الخروج لتذكيرنا أن العفو حق للملك وله وحده السلطة التقديرية لمن يمنحه كما قالت الناشطة من أجل حقوق الطفل السيدة نجاة أنور، سيدتي ألا تخجلين من نفسك ؟ هل تستطيعين النوم ليلا وأنت تقولين أن قرار العفو عن مغتصب أطفال تقدير ملكي غير قابل للنقاش؟ سيدتي أين ذهبت إنسانيتك ؟ أم أن الإنسانية تتعفن أمام امتياز دعم الدولة؟ أ هذا كل ما تستطيع حقوقية مدافعة عن حقوق الطفل أن تقوله لعائلات الضحايا ؟ ، هؤلاء يقولون لنا أيضا أن الغضبة الشعبية مجرد مزايدة سياسية ومحاولة لتصفية الحساب مع المؤسسة الملكية كما يخبرنا الصحفي المختار لغزيوي؟ دعني أسأل عن ضميرك ، يا ترى هل لا زال حيا ؟ أشك في ذلك، أنت تمشي عاريا من إنسانيتك ، بالنسبة إليك أيها الحداثي جدا وأنت تسوق كل عبارات التبرير للمعبد المقدس  وتتحدث في نفس الوقت عن آلام الملك الاسباني فإن الأمر يتعلق فقط بتجييش يرغب بمداعبة الوتر الحساس، سيدي هنيئا لك بعقلانيتك ورجاحة فكرك، يا لخسارتنا فعلا ونحن لا نملك عقلا سليما مثلك يجعلنا نفكر بمنطق ودون تسرع، كيف فاتنا أن نتريث قبل أن نفهم حيثيات اتخاذ قرار مماثل ؟ يا إلهي كم نحن أغبياء كم كنا ساذجين، لقد فهمنا، نعم فهمنا، فهمنا أن الضمائر تباع وتشترى، أن الأقلام التي من المفروض أن تكتب دفاعا عن الحق والحقيقة، أن تشير إلى الخطأ مهما كان مرتكبه مقدسا أصبحت تؤجر تحت الطلب، سيدي أريدك فقط أن تتصل بعائلات الأطفال لتشرح لهم كيف أن العفو عن مغتصب أطفالهم يمكن أن يصبح مفهوما أو حتى مقبولا؟ بالمرة أخبرهم أن الذين خرجوا للتضامن معهم وووجهوا بهراوات البوليس مجرد مزايدين سياسيين، كما أتمنى أن يطيل الله في عمرك حتى تقابل هؤلاء الأطفال لما يكبرون لتشرح لهم كيف عفا ملك البلاد عن مغتصبهم، أما نحن فقد فهمنا، فهمنا من الإنسان ؟ عرفنا المواطن الحقيقي من الخائن، وعرفنا التاجر و المنافق والانتهازي، لأن لحظة وجع الوطن هاته كانت لحظة حقيقة فعلية سقطت فيها أقنعة كثيرة، أما الآن فإن أحرار هذا البلد الحقيقيين يشعرون بالعار في انتظار أن يصير لنا وطن، المجد لهم .


عماد استيتو
صحفي مغربي
3-8-2013

السبت، 8 ديسمبر 2012

لنصمت يا رفاق


لنصمت يا رفاق

 





منذ أن كنا صغارا تعلمنا الصمت،لازال صوت المعلم يرن في أذني "شت" ..كل ما درسناه في مدارسنا هو الصمت ولا شيء غيره..تعلمنا حدودا حمراء وخطوطا محرمة لا يجب أن نقربها حتى لا نحترق،تعرفنا على الخوف منذ نعومة الأظافر ككائن هلامي علينا أن نقبل به كعضو كما هي باقي أعضاء أجسامنا.. لا أذكر أننا تعلمنا أشياء أخرى غير الخوف والصمت في المدرسة العجيبة التي كنا ندرس فيها كل شيء دون أن نفهم أي شيء، على أي فما فهمته وفهمه زملائي أن الخوف والصمت يقودان إلى الجنة وماعداهما سيضعنا مع القوم الكافرين في جهنم والعياذ بالله ولهذا السبب اخترنا أن نؤمن وأن لا نكفر من هول ما حكوه لنا عن العذاب الذي سيطال الكفار،فكان أن صحبناهما معنا في كل مكان وفي أي وقت وحتى عندما اشتد عودنا قليلا وحاولنا أن نتخلص من هاذين الرفيقين الدائمين فشلنا، ثمة شيء يزرع فينا ربما هي حقنة التلقيح تلك التي تدق في أكتافنا في الصغر .. ربما.

علمونا أن السكوت من ذهب وأن الصمت حكمة وشنفوا مسامعنا بمثل شعبي مفاده أن من خاف نجا،وحينما اكتشف بعضنا أن الأمر خدعة فقط وأن عليه أن يتخلص منهما اصطدم بأنهما أصبحا من المقدسات والمسلمات التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال نفي هاته الصفات عنهما،لذلك صمتنا وصمنا خوفا وأفطرنا جبنا، القاعدة رقم واحد كما تعلمناها في المدرسة العمومية هي أن نسمع كل ما يقال لنا لأننا لازلنا صغارا ولسنا نعرف مصلحتنا، علينا أن نسمع التاريخ الذي يملونه علينا وعلينا أن نسلم بأنه حقيقة مطلقة وعلينا أن نؤمن بأن من علقت صورته أعلى السبورة هو إنسان طيب بمثابة "والدنا" ويخشى علينا وعلينا أن نخشاه كما نخشى الله حتى نخلد في الجنة ونتجنب سعير النار،ولأن أمهاتنا علمتنا أيضا أن للجدران آذانا طويلة أطول حتى من آذاننا فإننا لم نكن نقدر على فتح أفواهنا حتى في أكثر لحظاتنا خصوصية وهكذا كان أن نقلنا معنا هواجسنا هاته إلى أماكن عملنا بعد ذلك فاحترفنا تصنع الصمت والخوف في حضرة رب العمل ، حينما وعينا أن الصمت أصبح يكلفنا غاليا وأن الخوف لم يفعل شيئا سوى تجهيلنا وتجويعنا وتبئيسنا كان الأمر أشبه بثورة غير شرعية وخروج مرفوض عن ملة الصمت ودين الخوف، حينها أصبحنا كفارا نعبد صنما اسمه الحرية ، حينها أصبحنا موسومين بالوقاحة وقلة الاحترام والأدب لأننا خرقنا ما لا يخرق بعد أن قضينا كل عمرنا في التطبيع مع وهم السلم واتقاء شر الخوض فيما لا قدرة لنا على الذهاب فيه إلى النهاية،فكيف لنا أن نهرب من دار العرس ونبصق في إناء أطعمنا وصفات الوطنية وتوابل الانتماء؟،كيف سمحنا لأنفسنا أن نخون كل شيء ونبتدع بدعا جديدة لا تمت لما جبلنا عليه بصلة، إرث الطفولة والمراهقة وسنوات الجامعة وتفاصيل لحظات العمل الأولى، كل ذلك وضعناه خلفنا وصفقنا الباب وراءنا بكل الابتذال المشرف.

حين لفظنا غضبنا جائعين في الشوارع مللا من دوام هذا الحال الميؤوس منه كانوا ينظرون إلينا بنظرات غريبة، كانوا يرمقونك بشزر وبعبرات كلها تساؤلات،مالذي تريده؟ من أين لك بكل هذا الهراء ؟لماذا لا تحتفظ بأحلامك لنفسك ... كان يزعجهم أن نكون تخلصنا من شيء من تلك القيود التي تلجمهم،لم يكن صراخنا سوى عويل أطفال يقتفون أثر الموضة والتقليعات،لذلك لم يكن غضبنا بالنسبة إلى كثير من هؤلاء سوى ضربا من هذيان مراهقين أومتصابين أو مترفين أو فاشلين يحلمون بمثالية غير موجودة إلا في أوهامهم،بالنسبة إليهم أنت شخص تائه ضل طريقه في هذه الحياة.. أنت شخص معقد وعاجز على التأقلم مع محيطك وقبوله لذلك ستكون منبوذا ومعزولا وسينظرون إليك دائما بعين الريبة،فلا أنت خائف ولا أنت تعرف كيفية بلع لسانك السليط وهما شيئان كافيان ليعتبروك شخصا يجب الحذر منه.. أنت إنسان لا يعجبك العجب ودائم التشكيك في كل شيء وهذا ضد الطبيعة الجمعية والبيئة التي وعينا عليها جميعا،أنت لا تكتفي بالتوجه إلى السماء لتشتكي وتتخذ الشارع شريكا مع الله والعياذ بالله،أنت إذن شخص لا يؤمن بالقدر والمكتوب،أنت لست قنوعا.. باختصار أنت نموذج سيء للغاية لما يجب أن يكون عليه المواطن الصالح الطيب.

ماكان عليك أن تخلع عنك معطف الصمت الذي يسعنا جميعا وتخرج للتظاهر في الشارع، أتظن نفسك قادرا على تغيير شيء ؟ أتظن أن حنجرتك المبحوحة تستطيع أن تحقق شيئا؟،خطابك متعالي على الشعب يا هذا ..أن تكون ابن الشعب يعني أن تلزم تلك الحدود التي نلزمها جميعا فلست وحدك من تعاني، لست وحدك من تعبت لكن عليك إعادة إحياء حاسة الصمت فيك، في المقهى عليك أن تكف عن الكلام الذي ليس له معنى عن الفساد والاستبداد والفقر وغيرها من المواضيع..اشرب قهوتك وشاهد التلفاز وتحدث عن ميسي ورونالدو ثم غادر من حيت أتيت كأي مواطن عادي، وأنت في الحانة اشرب جعتك وكف عن التنظير ولا تصدعنا بالكلام عن الحكومة الغير مسؤولة والحاكم غير العادل،اثمل كما يحلوا لك ثم احمد الله على نعمة الذي يسقيك هذه الجعة فلولاه لم تكن لتكون هنا، عليك أن ترهب من صاحب تلك الصورة التي تطاردك أينما ارتحلت..تذكر أن تطبع مع الوضع كما هو، لا ترفضه فإنه قدرك شئت أم أبيت .. تذكر كذلك أن لا أحد يختار آباءه وبالتالي لا أحد يختار بلده ولا حتى من يحكمه.. توقف عن التذمر لأنك في كل الأحوال ستخرج خاسرا.

حينما يموت الأطفال بردا وجوعا في الجبل عليك أن تترحم عليهم دون أن تبحث عن الأسباب، ليس عليك التفكير كثيرا في مسؤولية الدولة، ليس عليك أن تقارن بين مستوى معيشة رئيس دولتك ورعاياه المنسيين في الجبل، ليس عليك أن تخرج لتطالب بتقليص ميزانية البلاط لأنك ستكون أنذاك تتدخل فيما لا يعنيك، وحينما تسمع رقما مدللا على فقر المواطنين تقبله كواقع ثم انسحب لتناول طعامك وشرب قهوتك وكأنك لم تسمع أو لم تقرأ شيئا ولا تمحص في التنقيب عن أصل المشكل،لا تخرج للاحتجاج من أجل الفقراء فاحتجاجك لن ينفعهم فلهم رب و زعيم يعطف عليهم بين الفينة والأخرى..وحتى لو عاث البعض فسادا واستباحوا المال والعباد فانتظر أن يأتي حكم ربك أو أن ينتبه حامي الأمة إلى خطرهم فيتخذ حينذاك في حقهم الإجراءات، لا تتحدث عن الساسة الانتهازيين وعن البرلمان الفاشل وعن الحكومة العاجزة ورئيس الدولة الذي لا يسمع ولايرى .. لا تقل شيئا..فقط اصمت، فلنصمت إذن يا رفاق.


عماد استيتو

الخميس، 26 يوليو 2012

فلننتحر يا رفاق



فلننتحر يا رفاق


أيحق لنا أن نبكي اليوم على أحلامنا التي سرقت ، على زهرة ذبلت سريعا، أنبكي كمن يبكي فراق حبيب ؟ ، نحن اليوم نعيش بدون جزء من ذاكرتنا، قتلوه قتلوه وهو جنين .. يا حبيبتي تآمروا علينا جميعا ونحن بعذارة أوهامنا الجميلة صدقنا أن بين القنافذ أملس، أنحن اليوم أيتام ؟ من دون من يعضد لحمنا الفتي الذي نهشته ذئاب الليل و النهار، نحن ضحايا الاختيار وتلك اللحظة الشبقية العابرة التي حلمنا فيها أننا قادرون على الوقوف في وجه كل العواصف ، نحن ضحايا أنفسنا .. فلننصب لأنفسنا المشانق ولننتحر في الساحات العامة يا رفاق ، كان علينا أن ننجح .. لكننا لم نفعل فلنتحمل مسؤولياتنا إذن، نحن من أخطأنا التقدير، نحن من استسهل طوق النجاة ، نحن طيور حلمت بمغادرة الأقفاص ثم اختارت العودة إليها، لننتحر إذن يا رفاق .. لقد حكمت المحكمة علينا بأن ننتهي إلى زوال، كنا يوما من الأيام جيلا غير مأسوف عليه ، جيلا مغضوبا عليه .. كنا مجانين مخطئين ونبحث عن المتاعب ، ويا ليتنا أفلحنا ؟ كانوا أنذاك ليرفعونا على الأكتاف كأبطال .. فلتخسأ حريتنا وديمقراطيتنا وكرامتنا .. فلتسقط العدالة.. فليسقط المراهقون لأن الشعب لا يريد، الشعب لا يريد شيئا يا معشر الفاشلين ، لنبك لنبك فما عاش في هذا الوطن من خان السلطان في لحظة جنون ووهم انتصار .

كان حلما جميلا سيطر علينا لأشهر ، كان مشروعنا الوحيد ، كان رهاننا الوحيد نحن الفاشلون في نظر الجميع ، بالنسبة إلى المجتمع والوسط وحتى العائلة ، كنا الفارغين الذين لا هم لهم سوى التظاهر نهاية كل أسبوع بحثا عن الشهرة، كنا الشاذين أيضا الذين ينصرفون بعد كل فسحة  أحد إلى الحانات ومن ثمة إلى أسرة الجنس، كنا الفاسدين الذين شاع بيننا الخمر والجنس وأشياء أخرى والعياذ بالله، كان انكسارنا نتيجة طبيعية لبضعة منحطين خارجين عن الملة والوطن، كنا مذنبين نستحق العقاب وتركنا طليقين سنة نصرخ كالكلاب المسعورة  كان أمرا غير مقبول وتساهلا غير مبرر معنا نحن حفنة التائهين الذين لا مشروع لهم ، لا مكان لنا على هذه الأرض السعيدة ، حرام علينا نحن جاحدو النعمة أن نعيش هنا ، هذه الأرض الطاهرة ليست لنا ، لأننا لم نتعلم أن نحلم أحلاما بكف اليد ولأننا ورثنا مرضا اسمه الرفض والتمرد ، لأننا لم نؤمن بإله يجمع الجميع في الأعياد وفي الشهور الحرم ، فلنرحل جميعا إلى الجحيم، إنهم يطبقون القانون فقط .. أو لم نكن نصرخ طلبا لتطبيق القانون ؟ ، الآن نشتكي ونبكي ؟ ، تبا لنا جميعا .

يا رفاق فلننتحر لأن الوطن يكرهنا ، الوطن لا يريد أمثالنا، الوطن يريد عبادا يحمدون الله على نعمة ولي الأمر ، الوطن يريد قانعين وليس طماعين يبحثون عن وجع الرأس ووهم الحرية، الوطن يريد معدمين مؤمنين بالقضاء والقدر، أو ليس الرزق من عند الله ؟، فلماذا نحتج ونصرخ في الساحات؟، كنا نبحث عن المجد الشخصي ، كنا نريد صورا للذكرى فقط ، لم تكن لنا قضايا حقيقية ، كنا عاشقين للكاميرات والأضواء نبتغي الظهور، لم نكن نحب الوطن وإنما كنا نحب أنفسنا ، علينا أن نتوب عن غينا فالوقت أمامنا ضيق جدا ، فصبر الوطن الغفور الرحيم بدأ بالنفاذ، علينا أن نسلم كل شيء ونعود إلى بيت الطاعة فورا ودون تردد، هنا والآن ، ورفاقنا الذين يرفضون علينا أن نتركهم لمصيرهم ، لسجنهم المستحق لأنهم عادوا العباد والبلاد وأولي الأمر، علينا أن لا نلتفت وراءنا ، كنا صغارا مفلسين لا نعرف مصلحتنا ، كنا نجر أنفسنا إلى التهلكة ، لم نكن نقدر حجم زلاتنا.. قضي الأمر، لقد صبروا علينا طويلا حتى نعود إلى رشدنا ، الآن نستحق كل ما سيحدث لنا .

لماذا نخرج بعد اليوم في مظاهرات ، نحن الذين لا نمثل شيئا من هذا الوطن ، بضعة مهرجين فقدوا بوصلة الصواب والطريق السوي يريدون تغيير البلد، أ وليست هذه مهزلة ؟، لا موقع لنا بعد اليوم على هذه الأرض التي يستحق كل شيء فيها الحياة إلا نحن ، من حقهم أن يسألوا عنا ؟ من نحن لنرفع شعارات أكبر منا ؟ من نحن لنقول لا للأسياد؟، من أين لنا بكل تلك الوقاحة لنجاهر بخطايانا ؟ لا لا هذا مستحيل وغير مسموح وعليه أن يتوقف فورا، باسم الرب فلنقلع عن جميع الأشياء التي تشاركناها، ثبت أننا كنا مخطئين، فلنتب فخير الخطائين التوابون ، يا رفاق ليست أمامنا خيارات كثيرة إما الرحيل انتحارا أو أن نبقى أوفياء للوطن ، والوطن يعني الطاعة والولاء وتطهير أنفسنا من تلك الشرور التي حملناها معنا في الساحات.

عفا الله عما سلف، فلننضبط لإرادة الشعب ولنستسلم، في النهاية فإنهم لا يريدون لنا سوى الخير، الشياطين التي تحيط بنا تشوش علينا لحظات الصفاء، علينا أن نلين لأننا لن نغير شيئا دون الإرادة العظمى، الله غاضب منا لأننا عصيناه ولم نسمع كلام خليفته في الأرض، وحينما نجلد ونسحل في المظاهرات أو نقاد إلى المخافر فإنه الله فقط يعاقبنا عقابه الرحيم ، الله يرسل رسائله السماوية عبر رسوله في الأرض لنا لنستقيم ، الله يعلمنا حب الأوطان لأنه من الإيمان ، وحب الوطن لا يستوي إلا بالالتفاف على الرمز.

يوم الأحد كنا نضرب باسم الله وباسم الوطن ، كان الوطن يعلمنا دروسا في حبه ، دماءنا التي تسيل في الشوارع رسم تسجيل فقط في مدرسة الغيرة على البلد، السجن الذي قضاه رفاقنا وسنقضيه غدا وبعده مجرد تهذيب للنفوس حتى تصفو وتمتلئ بالحب والرضا والقناعة بمثالية هذه البلاد السعيدة، يوم الأحد كنا نشتم ونقذف لكي يعم السلام والسكينة هذا البلد، كنا نطارد في الأزقة والدروب بالهراوات باسم حكم الشعب ، يوم الأحد كنا نستحق التأديب لأننا لا نفهم أو لا نريد أن نفهم أن لا أحد يريدنا ، أننا أقلية ، يوم الأحد كنا خارج الوطن ، يوم الأحد كنا نخون العهد، كنا ملاعين يا رفاق .

لا الفقراء يرحبون بنا ، ولا الذين يريدون العيش بكرامة يرتاحون لنا ، فلنبحث عن أقرب بناية شاهقة أو أقرب سكة قطار ولنلق بأنفسنا جماعة، يائسين وبشعين في ذات الآن، سننطرد من رحمة الوطن الذي كفرنا به فلا الجماهير في صفنا ولا نحن أشعلنا ثورة في الجبال، هكذا نحن في عرف الجميع فاشلون نستحق أن ندفن أحياء، الشرطة حبيبتنا كريمة كانت دائما معنا ، لم تبخل علينا يوما ، علينا أن نكون شاكرين ، فإما أن نعود إلى الوطن وإما أن ننتحر ، إما أن نحرر أنفسنا من سجن أوهامنا أو فلنفر إلى جهنم حيث سنلقى حلم العيش الكريم والعدالة .. إنهم يخيروننا بين الانتحار والموت البطيء ، فلننتحر يا رفاق فالانتحار أرحم من الانتظار ونحن مكبلون بالجحود والألم وقسوة الأهل وذوي القربى، الطريق إلى الحياة يمر عبر الانتحار .. انتحارنا هو الصمود في الميدان ، رحيلنا هو وطن نشيده من أوجاعنا وكدمات ودماء سجنائنا ، خيانتنا هو أننا أحببنا هذا الوطن وحلمنا به أفلاطونيا جميلا منتصرا وإنسانيا ، ذنبنا أننا لازلنا نثق في شعب فقد القدرة على الإيمان بنفسه ، فلننتحر يا رفاق وليكن انتحارنا نصرا ، فلنكن عظماء في الأرض وبعدها عظاما منتشية في جوفها ، فلننتحر .

بقلم :عماد استيتو

السبت، 14 أبريل 2012

المهدي المنجرة .. لا كرامة لنبي في وطنه


بروفايل :المهدي المنجرة .. لا كرامة لنبي في وطنه





غالبا ما يرحل الرائعون في صمت، يتحينون فرصة غفواتنا وسهونا ليحملوا حقائب السفر الأخير هم الذين كانوا في سفر دائم، كانوا بيننا دون أن نعيرهم ذلك الاهتمام الذي يستحقون ولا نكتشف سوى متأخرين أنهم كانوا يحاولون جاهدين أن يمنحوا أبناء الوطن سببا للبقاء، أملا للحلم وتفاؤلا بالمستقبل، في غفلة منا لم نتذكر أن المغرب أنجب رجلا يحق لنا أن نفخر به، لم نتذكر اسمه إلا يوم المرض، اختفى اسم المهدي المنجرة من مجلدات المغرب،عفوا فهذه ليست اليابان، لم يعد يعرفه أحد، نكرة في زمن يجود بأشباه المشاهير، فجأة حملنا محارمنا الورقية وجهزنا كلمات بالية للرثاء وحضرنا أنفسنا لنعي عابر، كان وحده ذلك الخبر الذي احتل زاوية في هامش جريدة مغربية عن نقل الرجل إلى مصحة خاصة، من ذكرنا بكم قسوتنا على أبنائنا وكم نحن جاحدون أحيانا مع الأوفياء منهم.

نال المهدي المنجرة في اليابان من حظوة وشهرة لم ينلهما في هذا البلد، اسم عالم المستقبليات المغربي أصبح نارا على علم ،جاب كل الأصقاع حتى أصبحت محاضراته وكتبه مرجعا للأكاديميين والباحثين، بينما يمنعونه هنا أو يسخرون منه وكأن عالم المستقبليات عراف مع خالص الاحترام للعرافين، لأن كلامه لم يكن يعجب ولأن الصراحة قاسية على قلوب من ألفوا النفاق.
في مارس من سنة 1933 رأى المهدي المنجرة النور لعائلة ميسورة الحال بالرباط، ولد مشاغبا وتعرض للاعتقال منذ سنوات شبابه الأولى بسبب مناهضته للحماية الفرنسية  وطرد من ثانوية "ليوطي" بالدار البيضاء وقبلها ثانوية "ديكارت" بالرباط قبل أن ينتقل للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن اقتنع والده أن الحل الوحيد هو أن يغادر المهدي أرض الوطن، نجح في الحصول على الإجازة في البيولوجيا في جامعة "كورنيل بنيويورك" لكنه سرعان ما غير بوصلة اهتماماته من البيولوجيا ليتحول لدراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، لينال شهادة الدكتوراه من جامعة لندن للاقتصاد بأطروحته عن الجامعة العربية.

بعد أن تخرج من لندن كانت العودة حالمة إلى أرض الوطن حيث اشتغل أستاذا للعلاقات الدولية في كلية الحقوق بأكدال بالرباط، كأول مغربي ينال هذا الشرف سنة 1958،وبعد سنة واحدة فقط التحق بمنصب مدير عام للإذاعة والتلفزيون لكن وكأن القدر لا يرضى له بالكراسي الوتيرة فقد غادر منصبه بعد أن فعلت تدخلات رضا كديرة ما فعلت لإسقاط حكومة عبد الله إبراهيم التي كانت تحظى بشعبية كبيرة، لم يتقبل المهدي المنجرة الطريقة التي أعفيت بها الحكومة التي كان يراها أملا لبداية البناء ليقدم استقالته ويحزم حقائبه إلى أمريكا مجددا، قضى بعدها المنجرة حياته طائرا متنقلا بين مهمة وأخرى حيث شغل مهمة نائب المدير العام لليونسكو وعاد بعدها للاشتغال في السلك الدبلوماسي كمستشار لأول بعثة دبلوماسية مغربية لدى الأمم المتحدة، حاول يائسا أن يقدم استشارات ونصائح للحكومات المغربية المتعاقبة في ميادين التخطيط والتعليم لكن لا حياة لمن تنادي.
هاجر قسرا بعد أن منعت محاضراته دون إبداء الأسباب، فلم يكن الرجل ذلك المعارض السياسي للنظام أو المفكر الذي لا يؤمن بشرعية السلطة القائمة، كان فقط يقول الحقيقة ويؤمن بالحرية وحق عيش المحرومين بكرامة، كان فقط عالما يتحدث بالأرقام، كان حاملا لسلاح مرعب فرض مواجهته بالمنع، كان الرجل عنيدا ومتمسكا بأفكاره ومن الصعب ثنيه عنها.
 أشرف غاندي المغربي على عدة أبحاث من ضمنها إشرافه بطوكيو سنة 1998 على فريق بحث عالمي يضم 15 عالما، حول التعددية الثقافية وآثارها المستقبلية على الهجرة، كما خبر كواليس المنظمات الدولية العالمية المختلفة وصرخ من داخلها منددا بكثير من مواقفها المتحيزة ليقرر الانسحاب منها لأن مشروعه العلمي والفكري كان أكبر من أن يدفن في مؤسسات تحكمها الحسابات وتنحاز للدول الكبرى على حساب المقهورين، لم يكن ممكنا للمنجرة أن يستمر بالتواجد داخل منظمات زكت الفكر الواحد رافضة الاختلاف ولم تعترف للشعوب بحقها جميعا في التنمية.
كان المهدي المنجرة أول من انتبه للمسألة الحقوقية في المغرب، راسل الملك الراحل الحسن الثاني مقدما فكرة إنشاء منظمة تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، تجاهل الملك طلبه في البداية قبل أن يقتنع بمبررات المنجرة، قال الحسن الثاني في ذلك الزمن لوزرائه " إن المهدي أيقظ ضميري"، فكان ميلاد المنظمة المغربية لحقوق الإنسان كأول هيأة حقوقية بالمغرب.

اليوم يرقد المهدي في منزله وحيدا يقاوم أرذل العمر، لا يسأل عنه أحد في هرم المسؤولية في هذا البلد بينما قدرت دول كاليابان والصين قيمته الفكرية والثقافية بترجمة مؤلفاته واعتمادها كمراجع، من ينسى كتابه الشهير " الحرب الحضارية الأولى " الذي تنبأ فيه بنشوب الصراع بين الشمال والجنوب الذي ابتدأت أولى ملامحه خلال حرب الخليج الأولى .

كان من أوائل المفكرين في العالم ممن تحدثوا عن الاستثمار في العنصر البشري فبفضله استطاعت دول كاليابان والصين أن تتطور، رسائل لم يفهمها المسؤولون الحكوميون الذين استمروا في منعه ومصادرة أفكاره، " الذي يؤلمني ويحز في قلبي منذ 10 سنوات شيء واحد، وهو أنني لا أعرف سبب منعي ولا من يقف وراءه. أنا لست رجل أعمال ولا رجل حزب أو سياسة بالمعنى الضيق للكلمة، لذا أقبل الأمور كما هي وكما تأتي. في كل مرة أُمنع فيها أقبل القرار و أرفض إحداث ضجة " قال عن منعه قبل ثلاث سنوات.

مخطىء من يفصل فكر وكتابات المهدي المنجرة عن ما يشهده العالم العربي من حراك، وهو القائل "التغيير آت أحب من أحب وكره من كره. السؤال الوحيد الذي يجب أن نفكر فيه هو ثمن هذا التغيير، فكل تأخير سيدفع عنه الثمن "، كان المهدي المنجرة يتوقع أن يحدث ما يحدث حاليا من تطورات في عدد من البلدان العربية، كان الرجل يملك مشروعا مستقبليا ونظرة مستنيرة، كان هذا الوطن أحق بها فهو في النهاية كان يكتب عن لحظة وفترة لا يعتقد أنه سيعيشها  وبالتالي فلا مصلحة ذاتية له فيها كما كان يردد دائما.

في كتابه الشهير " الإهانة في عهد الميغا إيمبريالية " الصادر سنة 2004 توقع بشكل واضح حدوث انتفاضات جديدة في الوطن العربي والإسلامي، صرح بعدها بسنتين " عندما أتكلم عن الانتفاضة فلا أقصد الدماء في الشوارع ولكن حدوث عطب في أنظمة الحكم، وردود فعل قوية من طرف الذين يعيشون حالات لا تطاق ولهذا لست متشائما على المستقبل القريب " ، كان يقول عن المغرب وربما لا يزال " كل إصلاح حقيقي يأتي من معالجة عين المشاكل وليس مظاهرها فقط، هذا الفرق بين الإصلاح والترقيع. الغاية هي استرجاع جزء من حرية التصرف في أنفسنا بالنسبة للحكم المحلي والخارجي كبداية احترام حقيقي لحقوق الإنسان والتحرر الثقافي والسياسي من هيمنة الاستعمار الجديد وعولمته. وهذه الأهداف لا يمكن الوصول إليها إلا بعد التغلب على عقدة النقص والسلبيات في تركيبنا العقلاني "، كلام لربما كان مزعجا لكن هذا هو المهدي المنجرة  إما أن تقبله كما هو بصراحته الصادمة وكلماته اللاذعة أو لا تفعل، حتى الآن اختار البعض أن لا يأخذ شيئا من حكمة الرجل لكن إلى متى ؟.
كان يؤلم الرجل أن يسير الوطن إلى المجهول دون رؤية مستقبلية لدى الحكومات التي تعاقبت على تدبير شؤون المغرب حينما نطق جملته الشهيرة القاسية ربما بعض الشيء "أتحدى أي شخص يعطيني رؤية شاملة حول مستقبل المغرب، للأسف الكل مشغول بالآنية وما يسمى بالانتقال، وأنا أتساءل الانتقال إلى أين ؟ " ، لكن في آخر كلامه قبل ثلاث سنوات يحتفظ بشيء من التفاؤل في الجيل الحالي فهو وحده القادر على تحريك الراكد " الأجيال الصاعدة ستهتدي إلى الطريق وستجد الحل هذا هو مصدر تفاؤلي، إنه نابع من بداية وعي المغاربة "، يقول المهدي الذي عاش كناسك زاهد في المناصب يتركها كلما شعر أنها لا تتناسب وقناعاته.

ربما لم نكن لنكتب ما تقدم من سطور عن حياة الرجل لولا ذاك الخبر، ربما هو قدرنا أن يجافي سياسيونا رموزهم، أو نتماهى غير آبهين مع مدرسة علمتنا النسيان وعقدة الغريب، ربما هي سليقتنا أن ننتظر دائما رحيلهم إلى الأبد لنكتب شهادات حسن سيرة وأخلاق، الخشية كبيرة أن يتكرر الأمر نفسه مرة أخرى، فعلى الأقل سيكون من إنقاذ ماء الوجه أن يلتفت مسؤولونا لإرث رجل لا يطلب جزاء ولا شكورا، أم أن لا كرامة لنبي في وطنه.؟

عماد استيتو
نشر في العدد 154 من مجلة مغرب اليوم من 13 إلى 19 أبريل 

الثلاثاء، 7 فبراير 2012

قصة قصيرة : نور الغرفة


نور الغرفة


النور مضاء في غرفتها في المنزل المجاور لحينا ، لا شك أنها هناك الآن تدرس بكد كعادتها بينما أمضي أنا لأقضي وقتي الفاشل في شارع تذكر ملامحها ، أتذكر وجهها وملابسها ، العيون والكلمات ، النور مضاء في تلك الغرفة ، حتما هي هناك ، كان سعيد يحدث نفسه وعيناه لا تفارقان النافذة ،كان شبه أكيد من أن طيفها إن لم يكن جسدها كان حاضرا هناك ، أو على الأقل هكذا أحب أن يتوهم وهما جميلا ، إنها هناك بين أوراقها وأرقامها ومعادلاتها تحضر لامتحانها كما حضرت لتحطيم فؤاده ذات يوم ، كان سعيد يعيش على أمل أن تطل من النافذة ، ربما تأخد استراحة صغيرة تستجمع معها شتات الأفكار ، ربما يقتحمها الفضول لتتجسس على المارة في الشارع ، أو في أغبى وأفدح حالات تفاؤله يظنها أحست بالساعات الطويلة التي قضاها ينظر إلى نافذتها المواربة ، لم تكن النافذة مغلقة تماما وهو ما زرع في نفسه أملا ساذجا وانتظارا غير ناضج ، يمشي يمنة ويسرة ويحرص على أن يثير منظره الريبة في الحي ، بقي على هذه الحال ما ينيف عن الساعتين ، المسكين كان ينتظر الإشارة " بغيت غير نشوفها من بعيد " كانت تتحدث دواخله ليصمت صوت عقله ، ... أطفأت الأنوار ، انتهت سهرتها على ما يبدوا ، سعيد يغادر وهو يجر أذيال خيبة أخرى تستقر في دولاب هزائمه المتعاقبة .

هل نامت ؟ صحيح هي تنام مبكرا ؟ حتى أنها لا تدخل الأنترنيت ... يائسا كان سعيد يسأل أسئلة يعلم يقينا أن الجواب عنها لن يفيده في شيء ، لا يزال الوقت مبكرا على النوم إنها العاشرة مساء فقط وخلوده للنوم باكرا لن يفعل به سوى تعميق الأرق ، طيلة الطريق إلى تلك الحانة ترك ذكرياته تندلق ، منذ أول نظرة حتى آخر كلمة جمعت بينهما ، " تاوالله تا راني هبيل ما عندي عقل مالي على حالي كنتعلق فين نتفلق .." يستفيق وعيه في لحظات ، منذ أشهر وهو يقضي وقته بين اقتفاء سرابها والمقاهي الداعرة والحانات وأرصفة الشوارع ، كان يحدث أن يشرب كثيرا حتى يثمل ليشرع في مسلسل هذيان لا يتوقف عن الحب والسياسة ، لا يتذكر شيئا في الصباح الموالي حينما ينهض متثاقلا ، " .. راك كنتي تاترون البارح ا صاحبي نسا عليك الدرية " يعاتبه صديقه المهدي  الذي قضى الليلة الماضية في منزله .

يسأل مستفسرا عما قاله بعد أن امتص كل شراب البار ، " .. لم تقل شيئا سوى أنك كنت تقول كلاما غير مفهوم .. شيء ما مفاده أنها ربما ستندم على أنها لم تعرك اهتماما شي حاجة بحال هادشي " ، ثم يسترسل رفيقه " .. شحال من مرة كلتليك أ " كماراد " متورطناش فاش تسكر " ، كان يشير رفيقه نجيب إلى غنائه في حضرة الثمالة تلك الأغاني الثورية الغاضبة التي غفل عنها منذ فترة ، حدث أن خفت إشعاعه النضالي في الجامعة منذ أن تعلق بها ، ركن إلى اليأس العاطفي وتقلصت أحلامه وهجر معارك الرفاق ، كانت تلك السنة الطلابية الأخيرة  حافلة بالمعارك التي لم يشارك فيها ، كان رفاقه يفتقدونه وهو الذي بات الآن منهزما في كل الأشياء ، انهزم حتى في درب عاهدوا أنفسهم على أن يقتفوه إلى الحشرجة الأخيرة ، أين هي صرخاته الغاضبة ؟ أين هو من كل هذا ؟ لم تعد له قضية ، في النهاية خسر القضية والمرأة أيضا وخسر نفسه أيضا .

ليس في حاجة إلى أن يطرح على نفسه تلك الأسئلة التقليدية ، هل هو من النوع الذي تغيره امرأة ؟لكنها ليست أي امرأة ، إنها "قدس " وليست أية شابة ، فقط اسمها وحده كاف ليوقع أيا كان في حبها ، كان يردد سعيد دائما في لحظات يسرح فيها حالما ، حتى بعد أن تجاهلته ( هذا مع التخفيف .. الأصح أنها احتقرته ) ظل يعيش على هذا الجرح ، كيف يقع بروليتاري قذر مثله في غرام برجوازية متعفنة ؟ ( كان سؤالا من صديقه المهدي) ، " هل خنت القضية يا رفيق لهم حبهم ولنا حبنا يا رفيق ..." ما انفك المهدي يحاول دفعه عن جنونه .

أهمل سعيد بحث تخرجه ولم يعد منتظم الحضور للمحاضرات ، في غيابه حدث أن اعتقل الرفاق بعد تفجير معركة نضالية لتمكين الطلاب من المنحة الدراسية التي تأخرت ، كان من بين المعتقلين صديق عمره المهدي ، نزل الخبر صاعقا على سعيد ، كان المهدي صديقه المقرب حامل همومه ورفيق درب الدراسة الجامعية والنضال الطلابي ، حمل حقيبته وكوفيته التي بحث عنها طويلا (مر أمد منذ أن اصطحبها آخر نزلة نضالية ) متجها إلى ساحة كليته يبحث عن الرفاق والرفيقات ، استجمع قواه وخطب في الجمع بصوت متحمس  " سنصعد سنعتصم حتى إطلاق سراح رفاقنا " ،  تحركت الحناجر بشعارات " لن نخاف لن نخاف لن نهاب القمع البوليسي " " المعتقل ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح .." وغيرها من الشعارات التي احتلت بهو إدارة الكلية ، تعاهدوا على الاعتصام هناك حتى يغادر رفاقهم الزنازين " ولو حملونا إلى نعوشنا سنبقى هنا حتى يعودوا إلينا " .

رضخ موظفوا الكلية الإداريون وغادروا مقرات عملهم بعد أن احتلت الإدارة وأصبحت مزارا يتضامن فيه الطلاب مع المعتصمين ، كان لافتا أن " الخوانجية " ( كانا فصيلين (العدل والاحسان والعدالة والتنمية ))تضامنوا أيضا مع المعتصمين ، لم يصدق سعيد عينيه ، هي هنا مع الإخوان المتضامنين ، دقق النظر جيدا وسرقته اللحظة .. على مضض رد التحية على ملقيها .. كان مشغولا ب "قدس " ، هاته المرة نظرت إليه نظرة أكثر حماسا وقبل أن يقترب منها لأداء ما يقتضيه واجب المجاملة نظرت إليه هاته المرة نظرات مختلفة ، نظرة أكثر تحمسا ، كانت تبدوا أكثر إشعاعا مبتسمة " .. الله معاكوم الأخ سعيد " قالت مادة يدها له للسلام وفي لمح البصر وبينما كان يلملم شتات صدمة المفاجأة كانت قد غادرت لتتركه لاستفساراته ، انتبهت رفيقته في الاعتصام سلمى إلى شروده " .. آه ا "كماراد " إذن هي من أبعدتك عنا كل هاته المدة إنها قدس طالبة مجدة ولامعة وفاعلة في شبيبة العدالة والتنمية .. أنا أعرفها هي شخص ودود " ، استسلم قليلا في نوبة فقدان للزمن ثم استدرك سلمى ( كانت سلمى تكتم حبها له ) " .. آه هي إخوانية " قالها بنبرة تشير إلى أن شيئا ما كان يشغل تفكيره وهو يرد على سلمى ، كانت سلمى أصغر منه بسنة ، ترافقه دائما ، كانا لصيقين ببعضهما لدرجة أن المقربين منهما فقط كانوا يعرفون أن علاقتهما لا تتعدى الصداقة ، سلمى فائقة الجمال ، قوامها ساحر ، عيناها تنم عن حنان يفيض به قلبها ، صوتها مرهف يخترق المسامع ليتسرب بلطف إلى الجوارح ، لكن قلب سعيد لم يكن لها ، كانت تعرف أنها تخسر سعيد مرتين ، الأولى لأن في حياته قضية وهو ما كانت تستطيع أن تتحمله ما داما شريكين فيه ، والثانية أن في قلبه امرأة وهو أعمق مما يمكن أن يهزم ، حب امرأة في قلب رجلها أقسى على المرأة من ديكتاتور مستبد ، لم يكن لسلمى من سلطان على قلبه ، على الأقل اليوم تعرف إجابة السؤال المؤرق عن هوية تلك التي استبعدته من رفقتها ومن حلم الرفاق ، ساد شيء من الصمت في المعتصم كان الوقت بعد الزوال ، استغرق سعيد في التفكير ، قدره ربما أن يخالف قلبه اختياراته ويختار له بالذات تلك من توجه يخالفه أشد الاختلاف " .. يساري يقع في حب إسلامية " همس على خفوت ، وما إن بدأ يستجمع أفكاره محاولا توقع القادم ( ابتسامتها كانت توحي بأما ) وهو يغفو غمضة قصيرة حتى أفاق على صوت صراخ سلمى " ... لا متضربش ... حيوان  ..." ، قوات الأمن اقتحمت الحرم الجامعي وشرعت في فض المعتصم ، ارتمى سعيد في وجه الهراوات وقدم جسده ليحمي سلمى " .. سعيد عنداك ظهرك سعيد عنداك ... " ، تستمر سلمى في الصراخ قلقة على سعيد وهو يتلقى الضربة تلو الأخرى على رأسه وعلى أعضائه التناسلية من رجال السيمي  ، " .. هاك لموك أولد القحبة أنت وديك القحبة اللي معاك تعلمو تهضرو على سيادكوم " وسط بكاء سلمى قال الشرطي وهو يستعمل كل ثقافته الغاضبة في بدن سعيد الذي خارت قواه من فرط تهشيم عظامه ، شدة الضرب لم تنل من براءة ابتسامة سعيد " ... مشيتي غالط مشيتي غالط مبقا يخلعونا زراوط " ، يستفز صموده الشرطي لينطلق في حملة ضرب جديدة لا تزيد سعيد سوى اصرارا " ..... اسمع صوت الشعب "   .

" سعيد لا تذهب يا رفيق أنا متيمة بحبك ... سعيد كنبغيك " وسلمى تذرف الدموع .. ، دماء سعيد نزفت بغزارة ، دماءه تغطي قميص رفيقته الأبيض ، " .. سعيد عافاك " ، بينما كان سعيد يغالب كلماته كان رفاقه يقفزون وراء الأسوار ويركضون إلى الأحياء المجاورة خوفا من الاعتقال ، " ... سامحيني يا رفيقة سامحيني يا سلمى ..على الأقل الآن سأتوقف عن توريطك في حبي " ، سلمى تبكي لأنها بدأت تدرك أن سعيد سيرحل ، ظلا لوحدهما في بهو الكلية بينما بقية الرفاق يسارعون نبضات قلبهم بحثا عن ملجأ لهاته الليلة للاحتماء من بطش القمع ، " .. يا سلمى لن نموت ولكننا سنقتلع القمع من أرضنا .. لا تصدقي أننا سنموت يا رفيقة .. سنبقى معا حتى نقتلع الموت .. سأكون معكم يا سلمي .. أخبري المهدي أنني لم أبع القضية .. إنها وصيتي .. " ، احتضنته سلمى تقبله بعنف يائس " .... سعيد لقد كنت أحلم أن نحقق أحلامنا الثورية معا .. لم أكن سأطلب منك الذهاب إلى موسكو إلى الساحة الحمراء .. كنا سنحيا هنا  فقط ونهزم موتهم المكتوب لكن ... ؟" ، وقد فرغت الساحة بعد أن نفذت القوات العمومية جرائمها كانا يتحدثان الحديث الأخير ...

- " .. شرف لي أن تكوني آخر من يحملني يا رفيقة .. لم أكن أستحقك على كل حال .. لا تستحقين أن تتعلقي بقضية خاسرة " .
- " كاماراد .. لا تقل هذا ، سننتصر سنشيد قلاع الحرية كما تقول القصيدة .. سننتصر معا ... لا أعرف كيف أستمر من دونك " سلمى تتعلق بآخر حروف سعيد .

- " ... طبعا سننتصر يا رفيقة ... لو كنت تحبينني فعلا عليك أن تتمسكي بنضالنا .. اعتبريه قصة حب جمعت بيننا .. أنا أمنحك حق هذا الاعتراف ، كان بيننا حب نضالي يا رفيقة .. تمسكي به .. تمسكي به يا سلمى   ...... آه  أخبري "قدس " أن تترك نور غرفتها مضاء فأنا قادم هاته الليلة .... ".

ثم رحل سعيد .


بقلم : عماد استيتو – كاتب وصحفي مغربي -

نص : مجرد كلمات


نص : مجرد كلمات




ما الحياة ؟  هي الدرك الأول من جهنم ...هي العناق الذي يعذب شهوة رجل إلى حتفه الأخير .. هي تلك الوظيفة المكتبية البيروقراطية ، لكن الحياة سنة أم فرض ؟ هل هي أنثى فاتنة أم ذكر غير مكتمل الرجولة ؟ ربما الحياة هي الاحتراب الذاتي الدائم ، قد تكون الحياة أيضا الخطيئة التي تقود إلى الجحيم ، ما الحياة ؟ هي اللقمة المستعصية على الهضم .. هي آخر جلسة مداولة قبل الحكم النهائي ... الحياة نميمة تسارع الزمن .

ما الموت ؟ هو انتصار على الزيف ..لحظة ارتقاء إلى الصداقة .. هو الشرط الوحيد لحياة طبيعية ،لكن هل الموت فعلا هو لحظة الفراق ؟ أم هو البداية اللقيطة ؟ الموت ليس قدرا وإنما أمل ، الموت أيضا هو لحظة اكتشاف الخديعة المتأخر ، ما الموت ؟ هو احتفال حتمي .. هو الحبيب الذي ننتظره طيلة العمر ...هو رجل يتأخر دائما عن مواعيده ... الموت هو أن نظل إلى الأبد من دون أنياب ... الموت هو أن تطوق البيعة أعناقنا .

ما الحب ؟ هو عارض من أعراض السرطان الذي لا علاج له .. نهم للأكل بشراهة يختفي مع أول لقمة .. هو البحث عن قطرة ماء صافية في بئر ملوث ، لكن هل يشمل الحب كل الحروف وهو الذي حكم ديكتاتورا بسلطة الحرفين ؟ ما الحب ؟ الحب نظام قمعي يدعي رغبته في الإصلاح .. هو كذلك مطر عنيف يسقط ومظلتنا ليست معنا .. هو قضية مؤجلة الحكم .

ما الأمل ؟  هو معركة خاسرة يتوهم من يخوضها تطويع المصير .. هو شمس الصباح التي نعتقد بدوامها طيلة النهار ..هو عجوز تخضع لعملية تجميلية على نهديها ، لكن هل الأمل هو فقط تلك الأجهزة الكهربائية التي تبقي الميت سريريا على قيد الحياة لبعض الوقت ؟ ما الأمل ؟ أهو محاولة جنسية يباشرها مثلي مع امرأة ؟ أم ربما هو الخيبة المعلقة على مشجب التعلم والبدائية ؟ الأمل ليس تاريخ ولادة جديد ، الأمل مرادف لليأس الأزلي ، الإيمان بالأمل لا يفعل سوى تأجيل تاريخ إعدام مسجون يعرف أنه لن يستمر ، الأمل خسارة مضاعفة ، الأمل هو انتصار الشيوعية يوما ما  .


ما الجنون ؟ هو ارتشاف فنجان من القهوة في ساحة الوغى ..البقاء شريفا طاهرا ... التفكير في المستقبل ، لكن الجنون يكون أكثر ألقا من التعقل ، ما الجنون ؟ الجنون هو انتظار عطف الحاكم ، الجنون هو الاعتقاد أن امرأة تثير شهوتك الجنسية ستنسيك الحب الأول ، الجنون شرف يحلم به كثيرون ، تحتاج حروبا باردة عديدة لترتقي من مصاف العقل المستهلك إلى نشوة الجنون ، الجنون هو رعشة بلوغ الذروة .

ما الانتصار ؟  هو وهم تتواطأ معه نواقص الأنا .. هو  قمة الفشل في أقسى درجاتها ... هو ممارسة الحب على ظهر دبابة ، لكن هل الانتصار امتداد في الزمان و المكان ؟ الانتصار أزلي أم مؤقت ؟ ، ما الانتصار ؟ الانتصار ليس فوزا ، الانتصار هو بداية  الانهيار  ، الانتصار تسليم بأن هناك هزائم ، الانتصار هو العيش في حالة صراع داخلي ، الانتصار عيادة لا تشفي من الغرور ، الانتصار أيضا هو محاولة تائهة لتحدي الحتمية ، الانتصار مرض شوفيني .

بقلم : عماد استيتو – صحفي وكاتب من المغرب -