السبت، 13 أغسطس 2011

عشرة أيام تحت الرصاص ، فاناي صحفي شاهد على الدماء


عشرة أيام تحت الرصاص
فاناي صحفي شاهد على الدماء



كان الشاهد الوحيد الذي استطاع أن يخرج معه الحقيقة خارج الأسوار بعيدا عن الرصاص ، كان عينا على ما اعتصرته حماة طيلة أسابيع حيث نقل الصحفي السويسري غايتان فاناي إلى العالم حقيقة ما شاهدته عيناه طيلة العشرة أيام التي قضاها متخفيا في المدينة السورية التي تعتبر معقل الانتفاضة السورية ضد نظام الأسد ، استطاع المسؤول عن قطاع الأخبار العالمية في محطة ار سي ار السويسرية الإذاعية أن يجتاز كل الحواجز ويكون الصحفي الأجنبي الوحيد الذي استطاع أن يدخل الأراضي السورية وينقل شهادة من قلب الحدث بعد أن منع النظام السوري كل وكالات الأنباء العالمية والمراسلين الأجانب من دخول أراضيها ، شهادة تدحض الرواية الرسمية السورية وتنفي وجود مسلحين في المدينة

دخل غايتان فاناي حماه في التاسع عشر من يوليوز وغادرها في الثالث من غشت وهو المعروف ب " الصحفي الانتحاري " لكثرة مغامراته وتغطياته الميدانية في عدد من الجبهات الخطيرة التي تشهد حروبا وصراعات حيث قضى قبلها في الزنتان الليبية مدة أسبوعين وفي ساحل العاج في خضم توتراها أيضا مدة عشرة أيام ، يقول غايتان عن الوضع في حماه بعد عودته سالما إلى سويسرا " لقد قضيت عشرة أيام ولم أشاهد سوى مظاهرات سلمية كل مساء كان الآلاف يجتمعون كما كانت هناك مظاهرات تضم عشرات الآلاف يوم الجمعة بعد الصلاة وكانت شعاراتها وأغانيها تهتف ضد النظام ولم أشاهد قطعة سلاح واحدة طيلة هذه التظاهرات " ، غايتان يشدد على سلمية التظاهرات التي كانت ولا تزال تخرج في حماه الجريحة " لم يكن هناك أي عنف على العكس فقد كنت شاهدا على التنظيم ومحاولات تسيير هاته التظاهرات في هدوء فقد كان الناس الأكثر تقدما في السن يهدئون ويوجهون الأكثر شبابا لقد رأيت تصيما على أن تكون ثورة سلمية وفي بقية الأوقات التي لاتكون فيها مظاهرات فإن الحياة كانت تستمر بشكل طبيعي رغم وجود الدبابات وقوات الجيش التي تطوق المدينة " يقول الصحفي الوحيد الذي وطئت قدماه حماه

يؤكد الصحفي السويسري أن السلطات السورية تمارس تعتيما كبيرا وتشويها للحقائق لتبرير تدخلها في المدينة المحاصرة " النظام يتحجج بوجود جماعات مسلحة تروع المدنيين ليبرر تدخله الأحد الماضي (31 يوليوز) لكن الأسلحة الوحيدة التي شاهدتها كانت تلك التي كانت بحوزة الأجهزة الأمنية صحيح لقد ظهرت بعض الأسلحة يوم الأحد بعد دخول الدبابات لكن الناس حسموا قرارهم ورفضوا استعمالها وقد شاهدت ذلك بأم عيني ولم أشاهد ما نقله التلفزيون السوري من صور عن أشخاص يطلقون النار على المدنيين " ويكمل " في هذا اليوم حاول السكان الدفاع عن مدينتهم ونصبوا المتاريس لكن الدبابات كانت تتقدم لتسحق كل ما تجده أمامها وتطلق النار بطريقة هستيرية في وجه كل ما تجده أمامها فكانت الحصيلة حوالي 100 إلى 120 قتيلا فقط في هذا اليوم .. لقد كانت معظم الضربات في الرأس مما يعني أن النية كانت قتل المتظاهرين

يقر الصحفي السويسري أنه لم يكن من السهل بالنسبة إليه التحاور مع المواطنين واستجوابهم ف " النظام البوليسي " حاضر بقوة على حسب قوله ، " لم يكن ممكنا إخراج الميكرو أو استخدام آلة التصوير حتى أن قوات الأمن أوقفت السيارة التي كنت فيها بعد أن قامت برصد حركتي وتصويري من مبنى مجاور في الرستن لكنني لحسن الحظ كنت قد غادرت لكنهم استجوبوا مرافقي قبل الافراج عنه، وكتب الصحفي في مذكراته اليومية أثناء تواجده في حماة : " إنني أشعر بالحزن لأنني لم أستطع نقل الصورة بشكل مباشر من هنا لكن لم يكن الأمر ممكنا وإلا أصبحت مطلبا للنظام "

كان فاناي يغير مكان إقامته باستمرار كما يوضح ذلك في مذكراته حتى لا ينجحوا في تعقبه قبل أن يقرر المغادرة عبر الحدود بعد اشتداد القصف على المدينة مصادفا أعدادا كبيرة من الجنود المنشقين الذين يختبئون خوفا على عائلاتهم من انتقام الأجهزة التابعة للنظام ، وكشف الصحفي الذي ظل متخفيا طيلة أيام أن بعض الفيديوهات كان يلتقطها جنود سوريون ثم يقومون ببيعها بأثمنة باهضة جدا للنشطاء الذين يغامرون بإمكانية الإيقاع بهم مقابل الحصول على " توثيق لهذه الجرائم " يضيف دائما في شهادته

في الثامن والعشرين من يوليوز كانت الوجهة حمص عبر الرستن " أخذت معي بطاقة هوية سورية يمكن للأمر أن يمر مع بضع جنود عاديين لكن ليس مع رجال الأمن .. تظاهرنا أننا رجال أعمال في رحلة عمل ثم توقفنا عند صديق يعرف الرستن جيدا وقمنا بجولة لمعاينة كل الخسائر المسجلة قبل أيام من وصولنا فالدبابات تحاصر الشوارع وعلامات إطلاق الرصاص بادية في كل مكان في المنازل وفي منبع مياه المدينة .. لا يوجد هناك أي منزل لم يتضرر أو لم يتعرض لإطلاق النار .. ، لكن الرحلة لم تستمر الى حمص بعد أن تعقبت الأجهزة الأمنية سيارتهم ليعود بسرعة إلى حماة " كانت حياتي في خطر وسلامتي كان يمكن تأمينها بنسبة 50 الى 70 بالمئة لذلك قررت عدم المجازفة بالقيام بمحاولة أخرى للتسلل إلى حمص ... ، لتنتهي رحلة جديدة من رحلات الكاميكاز المغامر لكن تبقى الرحلة إلى حماه أكثرها دموية وتأثيرا في نفسه كما يروي بنفسه فهل تثني شهادة فاناي النظام السوري عن مواصلة ترديد الحديث عن " جماعات مسلحة" تروع الآمنين وتجعل المشككين في سلمية الانتفاضة يعيدون حساباتهم

إعداد : عماد استيتو / نشر في الجزيرة تولك بتاريخ 12 غشت 2011

http://www.aljazeeratalk.net/en/node/8302



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق