الأحد، 5 يونيو 2011

السوسيولوجي المغربي ادريس بنسعيد يلامس تجربة 20 فبراير والحراك الشعبي المغربي في مشارف



السوسيولوجي المغربي ادريس بنسعيد يلامس تجربة 20 فبراير والحراك الشعبي المغربي في مشارف


السوسيولوجي ادريس بنسعيد : " حركة 20 فبراير أسدت خدمة كبيرة للمجتمع المغربي الذي وجد نفسه فجأة متحررا"

" أنجع طريقة للتعامل مع دينامية 20 فبراير هو تقديم ما يعرف ب " العربون السياسي" "

" حركة 20 فبراير استطاعت تحرير اللغة والفعل ورفع سقف الخوض في المحرمات "

في حلقة وصفت بالتاريخية على شاشة التلفزيون الرسمي المغربي عاد برنامج مشارف الثقافي الذي يعده الشاعر المغربي عدنان ياسين للظهور بعد احتجاب لأسابيع ليطرح نفس الموضوع الذي جعل هاته الحلقة تحديدا تركن في الرف ، حلقة استضافت أستاذ علم الاجتماع في جامعة محمد الخامس بالرباط ادريس بنسعيد وتجاوز فيها الحوار عتبة الطابوهات التقليدية وحللت بعمق دور علم الاجتماع في مواكبة التغيرات العميقة والتحولات الطارئة على المجتمعات كدينامية 20 فبراير وما أفرزته من واقع جديد انخرطت فيه كافة مكونات المجتمع المغربي وفئاته ، ودونما مواربة أو نزوع إلى السطحية كان المشاهد المغربي على موعد مع وجبة أدبية علمية دسمة تناول خلالها ادريس بنسعيد أهمية التحليل السوسيولوجي والإجابات التي يقدمها على القضايا الآنية للمجتمع المغربي في ظل زخم التغيرات التي يعرفها العالم .

ويرى ادريس بنسعيد أن الظرفية الاجتماعية الحالية التي يمر بها المجتمع المغربي في حاجة إلى التفصيل والتدقيق خاصة على مستوى التحليل الاجتماعي ليس لإعطاء الدروس وإنما للمساهمة في النقاش الحادث بكيفية تبحث فيما هو غامض بالنسبة للمشروع الديمقراطي والسياسي ، و اعتبر أن دور التحليل السوسيولوجي مهم جدا لإنجاح هاته الدينامية من خلال التأصيل وإيجاد مقابلات لمصطلحات من قبيل " الديمقراطية " و " الشفافية " في المعجم المجتمعي خصوصا أن المواطن العادي يشغل أجهزة الإنذار كلما اجتمعت هذه الكلمات فضلا عن طرح تلك الأسئلة التي تسمى ب " الأسئلة المزعجة " كعلاقة البنيات بالمؤسسات السياسية والاجتماعية ، ويضيف ادريس بنسعيد : ما وقع في العالم العربي مؤخرا يوضح أن هناك خللا كبيرا في التمثل ومعرفة بعض الأشياء البسيطة فمصطلح الشباب مثلا يستعمل بكيفية غامضة ويحمل حمولة سلبية ترتبط بالمشاكل والتمرد والتدهور التام للقيم وهو شيء يعاكس الحقيقة فالشباب هو جوهر المجتمع .

بعين الباحث في علم الاجتماع يعتقد بنسعيد أن هناك تحولات عميقة لم يتم التفكير فيها بطريقة ملائمة على مستوى الخطاب السياسي حيث ظهرت فئة انسانية خارج سن الزواج وهذا ما أفرزته التحولات المجتمعية لم يتم تدبيرها بالشكل المطلوب رغم أنها تحولات أساسية ، أما فيما يخص الثورات العربية في مصر وتونس فإنها حسب بنسعيد ليست ثورات بالمعنى المتعارف عليه للثورات وإنما انهيارا للنظام على ذاته وفي مجتمعات أخرى اتضح أن الخطابات التوحيدية من قبيل القومية العربية أخفى مكونا رئيسيا وبنية اجتماعية هامة ألا وهي القبيلة كوحدة سياسية كما هو الشأن في ليبيا أو اليمن وحتى في المغرب الذي اعتقدنا فيه أن هذه البنيات قد تراجعت رغم أن المغرب على المستوى التاريخي كان من أوائل الدول التي عرفت مفهوم الدولة التنظيمي كفاعل مركزي في النظام السياسي ، وبرر تأخر الربيع العربي على مستوى العمر السوسيولوجي لعدة عوامل أولاها فكرة العالم العربي في حد ذاته والقومية العربية التي حاولت بناء تصور حداثي للمجتمع العربي قائم على اللغة كأداة وحيدة وهو ما ألغى عدة أجزاء من الواقع وهو ما جعل فكرة التوحيد تعاني من احتضار طويل لا زالت تعاني منه حتى اللحظة فضلا عن انهيار مجموعة من النماذج الكبرى دون أن تتمكن القيم الاجتماعية من ابتداع نماذج خاصة وإجرائية لكنه لم يكن تأخرا على مستوى الاعتمال بحسب ما يرى دائما ادريس بنسعيد وإنما على مستوى البروز على السطح لأن ما حدث ويحدث من حراك حاليا في المنطقة ليس وليد المصادفة بل هو نتيجة فعلية لتحولات عميقة غابت عن مجهر التحليل السياسي والمؤسساتي .

أما فيما يخص المغرب فإنه يرى أن السوسيولوجيا تعترف بوجود قوانين سوسيولوجية عامة لكن هناك استثناءات تكمن أهميتها في أنها تثبت القاعدة لذلك فهو لا يرتاح كثيرا لمصطلح " الاستثناء المغربي " ، فادريس بنسعيد يقول : أفضل الحديث عن مسارات مختلفة يمكن لنفس القوانين أن تسلكها فالاستثناء المغربي استثناء طبيعي بالنظر لطبيعة المغرب اللغوية والانتروبولوجية و الاقتصادية والايكولوجية لذلك فتلك القوانين العامة حينما تطبق يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات والمتغيرات أما الاستثناء الذي يعني الخروج عن سياق التاريخ والدينامية فهو أمر لا أرتاح له وأشكك في إمكانية إيجاد تحليل علمي له ، وبخصوص حركة 20 فبراير والدينامية التي أحدثتها في المجتمع المغربي فقد اعتبر بنسعيد أن عناصرها كانت موجودة تعتمل في فئة هامة وحيوية من المجتمع تشكل أكثر من 40 في المئة منذ مدة لذلك فالتوقيت وحده من يكون عنصر المفاجأة ، وأشاد أستاذ علم الاجتماع بالقدرة على تحويل الطاقة من افتراضية إلى واقعية مؤكدا أن الدور الذي لعبه العالم الافتراضي دور مهم لأنه يمكن من التذاكر بدون سقف لغوي أو موانع وخطوط حمراء فضلا عن قدرته الفائقة على تحويل المطالب الذاتية الفردية إلى مطالب سياسية واجتماعية فهذا الشاب الذي يوصف بعازف سياسي لا يتوفر على بطاقة حزب يتوفر على بطاقة أخرى واسم يعطيه وجودا افتراضيا يتحول إلى الواقع من خلال طرح فكرة ما ومشروع معين ، ويسترسل : الأمر يتعلق بدينامية ضخمة يمكن أن تتخلص من كل أشكال الرقابة سواء الاجتماعية والسياسية لذلك أعتقد أن الدينامية التي أفرزتها الحركة أكبر من الحركة نفسها لأنها استطاعت أن تخرج إلى الساحة العمومية بكيفية متحضرة واستطاعت تحرير اللغة والفعل وترفع سقف الخوض في المحرمات لمستوى مرتفع جدا وأسدت خدمة للمجتمع المغربي الذي وجد نفسه فجأة متحررا .

الرهان الحقيقي في نظر بنسعيد يتجلى في إعادة المصداقية لأنفسنا ولمجتمعنا وحياتنا السياسية ولذلك فهو يرى أن أنجع طريقة للتعاطي مع هذه التحولات هو ما يعرف ب " العربون السياسي " وهو إقدام الدولة والطبقة السياسية على سلسلة من الإجراءات السياسية التي ستشكل رجة سياسية وسوسيولوجية تعبر تنتهي إلى التصالح بين السياسة والمجتمع أو بالأحرى الدولة والمجتمع وهذه فرصة تاريخية لتحقيق ذلك ، وينظر بتفاءل إلى المستقبل الذي يمكن أن تنتجه هذه الحركية مع وجوب أن يترسخ هذا الوعي أو الرأسمال السيكولوجي المصرف أساسا في شعار " الكرامة " والذي ينظر إلى المواطنة والديمقراطية كواجب قبل أن يكون حقا لدى جميع الفئات المجتمعية بما فيها تلك التي لا تحظى بنفس التكوين الثقافي والعلمي وتلك التي تعيش في فقر يمنعها من تحويل مطالبها الآنية تجاه هذا الشخص أو الرمز إلى مطالب سياسية مشددا على وجوب أن يكون للمجتمع " وهمه الموحد " الذي لا غنى عنه في لحظات الانتقال من مرحلة إلى مرحلة وهو عنصر يرى بنسعيد أنه اختفى عن المجتمع المغربي منذ المسيرة الخضراء ، ويختم ادريس بنسعيد حديثه عن حركة 20 فبراير : حركة 20 فبراير سواء اتفق البعض معها أم لم يتفق فهي خلقت حركية جديدة وأضحت عنصرا فاعلا في الحياة السياسية والاجتماعية المغربية وكافة القوى يجب أن تعتبرها تاريخا فارقا .


إعداد ومتابعة : عماد استيتو

2/6/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق